الإيمان باليوم الآخر
و معناه الإيمان بكل ما أخبرنا به الله عز و جل و رسوله
صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت من فتنة القبر و عذابه و نعيمه, و البعث و الحشر و الصحف و الحساب و الميزان و الحوض و الصراط و الشفاعة و الجنة و النار.
و للإيمان باليوم الآخر أثر عظيم في حياة الإنسان, و له أثر كبير في توجيه الإنسان و انضباطه و التزامه بالعمل الصالح و تقوى الله عز و جل. و ذلك لأن من يعتقد أنه سيحاسب على كل ما يفعله, و من آمن بأنه سيفوز بالجنة إذا أصلح العمل و سيعاقب بالنار إذا أساء, لا بد أن يحمله هذا الاعتقاد على أن يحسن العمل و يبتعد عن كل ما نهى عنه الله عز و جل و رسوله
صلى الله عليه وسلم . و أما من لا يعتقد بأن هناك حساب و لا عقاب و لا ثواب, فإنه سيكون منفلتا من أي ضابط سوى هواه و شهوته. و قد بين الله لنا هذا في العديد من الآيات في القرآن الكريم بالربط بين الإيمان باليوم الآخر
والعمل الصالح, كما قال عز و جل:
((أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ))
و قال:((
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ))
و لقد دل على الإيمان باليوم الآخر كتاب الله, و سنة رسوله
صلى الله عليه وسلم , و العقل و الفطرة السليمة.
و المنكرون للبعث ليس لهم دليل على إنكارهم, و ذلك لأنه أمر من أمور الغيب الذي لا يعلمه إلا الله, فلا سبيل لأحد في إثباتها أو إنكارها إلا سبيل واحد و هو إعلام الله عز و جل. و لقد أثار المنكرون بعض الشبهات و الشكوك حول البعث, كاستبعادهم العودة إلى الحياة بعد تحولهم إلى رفات و تراب.
و لكن الله سبحانه و تعالى رد على شبهة هؤلاء, و من ذلك قوله تعالى: ((
وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قليلاً )) .
1) وللإيمان باليوم الآخر ثمرات جليلة منها :
أولاً: الرغبة في فعل الطاعة والحرص عليها رجاءً لثواب ذلك اليوم.
ثانياً: الرهبة من فعل المعصية ومن الرضى بها خوفاً من عقاب ذلك اليوم.
ثالثاً: تسلية المؤمن عما يفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها, وقد أنكر الكافرون البعث بعد الموت زاعمين أن ذلك غير ممكن وهذا الزعم باطل دل على بطلانه الشرع والحس والعقـل.
أما الشرع فقد قال الله تعالى: ((
زَعَمَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن لّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتُبْعَثُنّ ثُمّ لَتُنَبّؤُنّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ)) ، وقد اتفقت جميع الكتب السماوية عليه.
وأما الحس فقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا، وفي سورة البقرة خمسة أمثلة على ذلك.
2) فتنة القبر و سؤال الملكين:
لقد أخبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة أن الناس يمتحنون في قبورهم, فيقال للعبد: من ربك و ما دينك و من نبيك؟ فيقول المؤمن: ربي الله, و الإسلام ديني, و محمد
صلى الله عليه وسلم نبيّي, و أما المرتاب فيقول: لا أدري, سمعت الناس يقولون شيئا فقلته, فيضرب و يعذب.
3) عذاب القبر و نعيمه:
[/center]
من الدلائل على عذاب القبر و نعيمه قوله سبحانه و تعالى:((
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )) .
ففي هذه الآية توعد الله سبحانه و تعالى آل فرعون بنوعين من العذاب, فإذا كان الثاني بعد قيام الساعة فلا بد أن يكون الأول واقعا بهم ما بين الموت و النشور, و هو عذاب القبر.
الأحاديث الصحيحة المثبتة لعذاب القبر كثيرة جدا, تبلغ حد التواتر.
4) أشراط الساعة:
يجب علينا أيضا أن نؤمن أن الساعة آتية لا ريب فيها, و أن موعدها لا يعلمه إلا الله سبحانه و تعالى. و يجب علينا أن نؤمن بما ثبت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم من علامات و أشراط الساعة.
و من علامات الساعة علامات صغرى, يدور معظمها حول فساد الناس في آخر الزمان و ظهور الفتن بينهم, و بعدهم عن هدى الله و طريق الرسل. و من علامات الساعة علامات كبرى, نذكرها فيما يلي:
أ – طلوع الشمس من المغرب .
ب – خروج الدابة .
ج – ظهور الدجال .
د – نزول عيسى عليه السلام .
هـ - ظهور يأجوج و مأجوج .
4) بداية اليوم الآخر:
و يبدأ اليوم الآخر بإحداث تغيير عام في هذا الكون, فتنشق السماء, و تتناثر النجوم, و تتصادم الكواكب, و تتفتت الأرض, و تغدو صعيدا جرزا, و تصبح الجبال كثيبا مهيلا, و يخرب كل شيء, و يدمر كل ما عرفه الناس في هذا الوجود, و يكون هذا على إثر النفخة الأولى, ينفخها إسرافيل بأمر ربه, فيصعق كل من في السموات و من في الأرض إلا ما شاء الله تعالى.
5) البعث:
و نؤمن بعدها أن الله سبحانه و تعالى يأمر بالنفخة الثانية, فتعود الحياة على أثرها إلى الأموات, و هذا هو يوم البعث و هو إعادة الإنسان روحا و جسدا كما كان في الدنيا, و قد ورد في الأحاديث الصحيحة أن محمد
صلى الله عليه وسلم هو أول من يخرج من قبره.
6) الحشر:
[/center]
و نؤمن أنه يكون الحشر بعد بعث الخلائق و إخراجهم من قبورهم. و الحشر هو سوقهم جميعا إلى الموقف, و هو المكان الذي يقفون فيه انتظارا لفصل القضاء بينهم, و يكونون في هذا الموقف كما خلقوا أول مرة, حفاة عراة غراً,فإذا اشتد الأمر بالناس, و عظم الكرب في هذا الموقف العظيم, استشفعوا إلى الله عز وجل بالرسل و الأنبياء أن ينقذهم مما هم فيه, و يجعل لهم فصل القضاء و كل رسول يحيلهم على من بعده , حتى يأتون نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم فيشفع فيهم و يقبل الباري شفاعته, فينصرف الناس إلى فصل القضاء.
7) جزاء الأعمال:
و نؤمن بجزاء الأعمال يوم القيامة, فيجزى العباد على كل ما كسبوه في الحياة الدنيا من خير أو شر .
8- العرض و الحساب:
و نؤمن بأن الجزاء يكون بعد محاكمة عادلة, يعرض فيها الناس على ربهم و تقام فيها الحجج عليهم و لهم, و يطلعون على أعمالهم, و يقرؤون صحفهم.
9) الحوض:
و يجب علينا أن نؤمن بما أخبر به المصطفى
صلى الله عليه وسلم عن الحوض الذي تفضل الله به عليه و على أمته, فإن الأحاديث الواردة في ذلك تبلغ حد التواتر. و يكون أول من يرده نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم , ثم ترده بعده أمته, و يطرد عنها الكفار, و طائفة من العصاة و أهل الكبائر. وذلك بعد الإنتهاء من الموقف.
10) الميزان:
و يجب علينا أن نؤمن بما أخبر به الله عز و جل و رسوله صلى الله عليه و سلم ما أن أعمال العباد خيرها و شرها توزن يوم القيامة بميزان. و تدل الأخبار على أنه ميزان حقيقي, له كفتان, و أن الله سبحانه و تعالى يحول أعمال العباد إلى أجسام لها ثقل, فتوضع الحسنات في كفة و السيئات في كفة.
11) الصراط:
و نؤمن أنه يكون بعد الحساب و الميزان انصراف الناس من الموقف, ليمروا فوق الجسر المنصوب على جهنم, و هو الصراط. و المرور على الصراط عام لجميع الناس, و تكون سهولة مرورهم ذلك عليهم بقدر أعمالهم في الحياة الدنيا.
12) الجنة و النار:
و بعد ذلك كله نؤمن بوجود الجنة و النار, و أنهما مخلوقتان من مخلوقات الله عز وجل أعدهما الله للثواب و العقاب, و أنه سبحانه و تعالى خلقهما قبل الخلق, و أنهما موجودتان الآن, و أنهما باقيتان و لا تبيدان. و قد تكرر ذكر خلود المؤمنين في الجنة و الكافرين في النار في معظم المواقع التي ذكرت فيها الجنة و النار في القرآن الكريم.