تعظيم شعائر الله تعالى
قال الله تعالى في سورة الحج32 : ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب
معنى الشعائر
قال في القاموس في مادة شعر: الشعيرة: البدنة المهداة، الجمع: شعائر.
و قال في الصحاح: و الشعيرة: البدنة تهدى، و الشعائر: اعمال الحج، و كل ما جعل علما لطاعة الله. قال الاصمعي: الواحدة شعيرة. قال: و قال بعضهم: شعارة. و المشاعر: مواضع المناسك.
و شعار القوم في الحرب: علامتهم ليعرف بعضهم بعضا و اشعر الهدي، اذا طعن في سنامه الايمن حتى يسيل منه دم، ليعلم انه هدي
و قال ابن الاثير في النهاية: قد تكرر في الحديث ذكر الشعائر. و شعائر الحج: آثاره و علامته. جمع: شعيرة. و قيل: هو ما كان من اعماله، كالوقوف، و الطواف، و السعي، و الرمي، و الذبح، و غير ذلك.
و قال الازهري: و الشعائر: المعالم التي ندب الله اليها و امر بالقيام عليها. و منه سمي المشعر الحرام لانه معلم للعبادة و موضع.
«و من يعظم شعائر الله» اختلف في المراد في (شعائر الله)لأنه يحتمل وجوها
: الاول: البدن خاصة. فقيل عن مجاهد. و عن ابن عباس في رواية مقسم : هي البدن، و تعظيمها استسمانها انظر الدر المنثور: و الشعائر جمع شعيرة، و هي البدن اذا اشعرت، اي اعلمت عليها، بان يشق سنامها من الجانب الايمن، ليعلم انها هدي، فالذي يهدي مندوب الى طلب الاسمن و الاعظم.
الثاني: مناسك الحج و اعماله ومواضعها. فقد قيل عن ابن زيد.: هي مناسك الحج كلها، اي: معالم دين الله، و الاعلام التي نصبها لطاعته.
كما في قوله تعالى:( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) وأيضا فالظاهر من قوله سبحانه: «و البدن جعلناها لكم من شعائر الله» عدم اختصاص الشعائر بالبدن، حيث ان الظاهر من لفظة(من)هو التبعيض. باعتبار أن شعائر الله سبحانه هي أعلام دينه ، خصوصاً ما يرتبط منها بالحج ، كما قاله القرطبي ، لأنّ أكثر أعمال الحج إنما هي تكرار لعمل تاريخي وتذكير بحادثة كانت قد وقعت في عهد إبراهيم "عليه السلام"
الثالث : علامات طاعة الله و اعلام دينه. فقد قيل: شعائر الله دين الله كله، و تعظيمها التزامها، عن الحسن (انظر احكام القرآن للجصاص) فتعظيم شعائر الله الأدب مع أحكام الله وشرعه ، تعظيم مناسك الحج ، تعظيم أحكام الصيام والصدقة
تتمة الآيات وارتباطها بالآية الأولى
«لكم فيها» اي: في الشعائر «منافع الى اجل مسمى»
فمن تاول ان الشعائر الهدي، قال: ان منافعها ركوب ظهورها و شرب البانها اذا احتيج اليها و على هذا فقوله: «الى اجل مسمى» مقدر وهو وقت ذبحها أي: الى ان تنحر. فإذا وصلت إلى محلها وهو البيت العتيق أي الحرم كله حل ذبحها والأكل منها والإهداء ، فمحل الهدي و البدن: حيث نحرها وهو الحرم كله و قيل قبالة الكعبة للعمرة و منى ان كان الهدي للحج،.
و من قال: ان الشعائر مناسك الحج، قال: المراد بالمنافع التجارة الى اجل مسمى، الى ان يعود من مكة.
ثم محل الحج و العمرة الطواف بالبيت العتيق، و ان منتهاها الى البيت العتيق;لان التحلل يقع بالطواف، و الطواف يختص بالبيت.
و من قال: ان الشعائر: دين الله، قال: «لكم فيها منافع» اي: الاجر و الثواب. و الاجل المسمى: القيامة
فيحتمل ان يكون معناه: ان محل ما اختص منها بالاحرام هو البيت العتيق، و ذلك الحج و العمرة في القصد له، و الصلاة في التوجه اليه.
و يحتمل ان يكون معناه: ان اجرها على رب البيت العتيق
قال البيضاوي: «ذلك و من يعظم شعائر الله» دين الله، او فرائض الحج و مواضع مناسكه، او الهدايا;لانها من معالم الحج، و هو اوفق بظاهر ما بعده.
و تعظيمها ان تختار حسانا سمانا غالية الاثمان.
و قال: «فانها من تقوى القلوب» فان تعظيمها من افعال ذوي تقوى القلوب.
و قال: «لكم فيها منافع الى اجل مسمى ثم محلها الى البيت العتيق» اي: لكم فيها منافع، درها و نسلها و صوفها و ظهرها الى ان تنحر، ثم وقت نحرها منتهية الى البيت، اي: ما يليه من الحرم.
الى ان قال: و المراد على الاول: لكم فيها منافع دينية تنتفعون بها الى اجل مسمى، هو الموت، ثم محلها منتهية الى البيت العتيق الذي ترفع اليه الاعمال، او يكون فيه ثوابها، و هو البيت المعمور او الجنة.
و على الثاني «لكم فيها منافع» التجارات في الاسواق الى وقتالمراجعة، ثم وقت الخروج منها منتهية الى الكعبة بالاحلال بطواف الزيارة (
«فانها» اي: فان تعظيمها، لدلالة «يعظم» عليه، ثم حذف المضاف واقام المضاف اليه مقامه، فقال: «فانها من تقوى القلوب» اضاف التقوى الى القلوب، لان حقيقة التقوى: تقوى القلوب.
ثم أخبر تعالى أنه ليس المقصود منها ذبجها فقط ولا يصل إلى الله من لحومها ودمائها شيء لأنه الغني الحميد , وإنما يصله تعالى الإخلاص فيها والنية الصالحة ولذلك قال : ولكن يناله التقوى منكم ففي هذا حث وترغيب على الإخلاص في النحر وأن يكون القصد هو وجه الله وحده لا فخرا ولا رياء
وهكذا سائر العبادات إن لم يقترن بها الإخلاص لله والتقوى له كانت كالقشر الذي لا لب فيه , وكالجسد الذي لا روح فيه
مناقشات في معنى التعظيم لشعائر الله
ويمكن توجيه القول الأول كما يلي : قد ثبتبالعقل و النقل حرمة الاستخفاف و الاهانة باعلام دين الله مطلقا ، بل يوجب الكفر. لكن لفظ الآية انما يفيد العموم لو كان(الشعائر)جمعا للشعار بمعنى مطلق العلامة، و هو غير ثابت، لاحتمال كونه جمعا للشعيرة التي هي البدنة.
ثم ان عموم الجمع المضاف انما هو في الافراد المنسوبة الى المضاف اليه;و المضاف اليه هنا و ان كان هو الله، و لكنه لما لم يصح يحتاج الى تقدير لا يتعين ان يكون هو دين الله، او طاعته، او عبادته، او امثال ذلك، بل يمكن ان يكون هو الطاعة المخصوصة ، اي: الحج، فان ادنى ملابسة كافية في الاضافة.
هذا مع ان ظاهر المقام مقام بيان اعمال الحج فلا يلائم التعميم، بل يناسب الخصوص -كما مر فيكلام البيضاوي-
بل ما بعد هذه الآية و هو قوله: «لكم فيها منافع» الى آخره، يعين ارادة خصوص، اذ لا يوافق قوله تعالى: «لكم فيها منافع» الى قوله سبحانه: «الى البيت العتيق» ارادة التعميم من شعائر الله الا بارتكاب امور كثيرة مخالفة للاصل من تقدير و تخصيص
ويمكن تأييد القول الثاني بقوله تعالى لا تحلوا شعائر الله يأمر سبحانه وتعالى عباده المومنين برعاية حرمة شعائر الله. ومعنى قوله تعالى:( لا تحلوا شعائر الله )، أي لا تستبيحوها وقوله تعالى: (ولا الشهر الحرام)، يعني لا تستحلوا القتال فيه وهو أول ما يصرف إليه الأمر ويدخل تحته كل تعظيم لهذا الشهر. وقوله تعالى: (ولا الهدي ولا القلائد) يعني لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام، فإن فيه تعظيم شعائر الله، وقوله تعالى: (ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضوانا) أي ولا تستحلوا قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمناً. والآية بهذه الصيغة وضعت القاعدة وضربت بعض الأمثلة فتكون القاعدة هي (لا تحلوا شعائر الله) ويكون الشهر الحرام والهدي والقلائد مما يجب رعايته من محارم الله وشعائره
كما يمكن تأييد القول الثالث بأن الشعائر جمع شعيرة هي كل شيء فيه لله شعار، وقد يكون مكانا كما في قوله تعالى:( إن الصفا والمروة من شعائر الله )البقرة: ,158 وقد يكون مما يسوقه الحاج من الهدي كما في قوله تعالى:( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) الحج:.63 ومن شعائر الله أيضا رسل الله الذين وجبت محبتهم والإقتداء بهم، ومن شعائر الله ملائكته سبحانه، ومن شعائر الله أيضا أحكام الدين عموما.
وحق شعائر الله التعظيم كما في قوله تعالى:(ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) الحج: ,32 والتعظيم يختلف بحسب نوعها فإذا كانت فرائض فبالمحافظةعلى أدائها والتنافس فيها. وإذا كانت أماكن مثل بيوت الله فبما يحفظ قدسيتها والقيام بحقوقها وتوقير جوارها وتنزيهها عن كل ما لا يليق بها.تعظيم حرمات الله ، يقول الله تعالى : ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) الحج /32 .: ( ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) الحج /30 ، وحرمات الله هي حقوق الله سبحانه وتعالى ، وقد تكون في الأشخاص وأعظمه القيام بحق الرسول صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ ، غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ ، وَالْجَافِي عَنْهُ ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ )) [ أبو داود ]
، ومن تعظيم شعائر الله في الأمكنة تعظيم الحرم مثلاً ، ومن تعظيم شعائر الله في الأزمنة تعظيم شهر رمضان والجمعة