السلام عليكم ورحمة الله
أعتذر عن تأخري في الجواب فقد انتهينا يوم أمس من دورة صحيح البخاري وقد أكرمنا الله تعالى بختمه فله الحمد .
وأجيب على سؤالكم حفظكم الله بما يلي فأقول وبالله التوفيق :
كما تثبت ولاية التّأديب للوليّ كالأب لحديث « مروا أولادكم بالصّلاة » فكذلك تثبت للمعلّم على التّلميذ بإذن الوليّ. صرح بذلك جمهور الفقهاء
وهذا الإذن في حدود المعقول من جهة العادة والعرف زجراً له عن سيّئ الأخلاق وإصلاحاً له بما يراه مناسباً في ذلك وهو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وقد يقال إن الإذن حاصل عرفا في هذه الحدود .
وعليه أن يراعي التّدرّج اللّائق بالحال والقدر ، فلا يرقى إلى مرتبة إذا كان ما قبلها يفي بالغرض وهو الإصلاح.
واتّفق الفقهاء على منع التّأديب بقصد الإتلاف ، وعلى ترتّب المسئوليّة على ذلك ،
فالخلاصة أن ضرب المعلم لتلميذه جائز إن لزم لإصلاحه وأفاده في ظنه
وإذا كان الحق لنفسه فالأفضل العفو وأن يكتفى بالنصح
وليذكر له ما يضربه عليه إن لم يعرفه
وأما إذا ضرب تعديا لغير تأديب فقد فعل حراما بل كبيرة
ويجب أن يكون الضّرب غير مبرّح لا يدمي و لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها، ولا يجوز لعن ولا قذف ولا سب فاحش ولا سب الآباء والامهات ولا تعمد كسر عظم وإتلاف عضو أو تشويه لأن المقصود منه الصلاح لا غير.
والضرب المبرح هو ما يعظم ألمه عرفا، أو ما يخشى منه تلف نفس أو عضو، أو ما يورث شيئا فاحشا، أو الشديد، أو المؤثر الشاق،
و يفرّق الضّرب على الأعضاء ، فلا يجمع على عضو واحد ، ويتّقي الوجه تكرمة له لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا ضرب أحدكم، فليجتنب الوجه، ولا يقل قبح الله وجهك" رواه أحمد، وهو في الصحيحين بألفاظ أخرى، ويتقي المواضع المخوفة كالرّأس ، والنّحر ، والبطن والفرج خشية التلف ، والمواضع المستحسنة لئلا يشوهها، لأنّ المقصود منه التّأديب لا الإتلاف. والانتقام والتشفي من الغيظ،
وينبغي ألا يؤدب وهو غضبان، لأن الغضب قد يخرج صاحبه عن السيطرة على نفسه وإذا حصل به هلاك أو تلف تبيّن أنّه جاوز القدر المشروع فيه
وليحذر أن يأتي الطالب كان يوم القيامة فيحسب مقدار غلطه ويحسب أيضا عقاب المعلم فإن كان العقاب بقدر الغلط عرفا وعادة كان ليس فيه ثواب ولا فيه عقابك إلا إن قصد الثواب بإصلاح الصبي فيجزى به وإن كان العقاب فوق ذنبه حوسب بالزيادة لقول الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين سورة الأنبياء آية رقم 47
وقال بعض العلماء : ليس له الضّرب بسوط ونحوه وإنّما يضرب بيد ، وقال بعضهم بيده أو بالسواك أو بمنديل ملفوف ونحوه ، لا بسوط ولا بعصا ولا بخشب، لأن المقصود التأديب .
وذهب الجمهور إلى أنه يقتنع بالضربة الواحدة والضربتين ولا يجاوز ثلاثاً ، صرح بذلك غير واحد من الفقهاء ، واحتج بعضهم لذلك بما لا يسلم له .
ومن الفقهاء من قال إن العبرة بحال الصبي وما يؤثر فيه ويفيده فيتدرج معه من النصح إلى الضرب مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثَةٍ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ زَادَ إلَى عَشْرٍ وَمَنْ كان كبيرا في العمر وَلَمْ تَردعهُ الْعَشْرُ فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ
وقد جاء في أخبار بعض الأئمة تأديبهم تلاميذهم بما زاد على عشر
وذهب جمهور الحنابلة إلى ألاّ يجاوز عشرة أسواط وهذا أرجح والله أعلم لحديث أَبِي بُرْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ عَشْرَ جَلَدَاتٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشْرِ ضَرَبَاتٍ
وقال (ابن القيم ): (الصواب أن المراد بالحدود هنا، الحقوق التي هي أوامر الله ونواهييه. وهي المرادة بقوله تعالى: {وَمَنْ يتعدَّ حُدودَ اللّه فأولئكَ هُمُ الظالمون} وفي أخرى (فَقَدْ ظَلَمَ نَفسَهُ) وقال:{تِلْكَ حُدُوُد الله فلا تَقرَبُوها}
فلا يزاد على الجلدات العشر، في التأديبات التي لا تتعلق بمعِصية، كتأديب الأب ولده الصغير). انظر تيسير العلام شرح عمدة الأحكام - (ج 2 / ص 147)
وذكر ابن الجوزي في شرح هذا الحديث أن الضرب منه ضرب على ترك أدب كضرب الولد على تعلم القرآن والعربية والعلم الزائد على قدر الواجب وقد كان ابن عمر يضرب ولده على اللحن وضرب الولد على ترك الصلاة إذا بلغ تسع سنين وعلى ترك أسباب المعاش فهذا تأديب ينبغي أن يتلطف فيه ويقتنع بالسوط الواحد والسوطين ومن الضرب ضرب على ما لا يجوز كضرب الرجل على شتم الناس فمثل هذا قد اختلفت الرواية فيه عن أحمد فروي عنه أنه يجلد عشرة وعنه يجلد تسعة إلى آخر ما ذكره وقد اختصرت كلامه فمن شاء فليراجعه في كشف المشكل من حديث الصحيحين - (ج 1 / ص 371)
والخلاصة أن ضرب العيال أو ضرب المعلم ليس بحرام في كل حال بل يجوز للمصلحة وفي حدود مقبولة كما سبق بيانه ومنها أنه لا ينبغي الزيادة عن عشر ضربات عند بعض الفقهاء أو عن ثلاث عند بعضهم ، هذا ما تيسر لي الآن فإن كان صوابا فأحمد الله وقد رجعت إلى أقوال الفقهاء
وإن كان فيه خطأ فهو من فهمي ومن الشيطان فليتكرم من كان لديه تصحيح بإفادتي وفقنا الله وإياكم جميعا للعدل والإحسان والخير
والسلام عليكم ورحمة الله