…الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
قبل قدوم الضيف
…نحن في انتظار ضيف عزيز ، سيطرق أبوابنا قريباً إن شاء الله .. انه شهر القرآن ، شهر المغفرة والإحسان ، والعتق من النيران .. إنه شهر رمضان ، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتسلسل الشياطين ( فتح الباري 4/135) ، ويحسن بنا أن نستعد لاستقبال هذا الضيف الكريم :
بأن نعلم أننا في شعبان أيضا في موسم من مواسم الخيرات ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر واحد إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان .
وروى ابن ماجه عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان الله ليطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن
( صحيح ابن ماجه 1/233 ) ، إنها دعوة إلى توحيد الله واستغفاره وتطهير القلوب من البغضاء .
وروي عن أنس رضي الله عنه قال " كان المسلمون إذا دخل شعبان أكبُّوا على المصاحف فقرءوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقويةً للضعيف والمسكين على صيام رمضان " ( ويراجع لطائف المعارف للحافظ ابن رجب/260 وما بعدها ).
2- وبدعاء الله تعالى أن يبلغنا رمضان : فكم من أناس صاموا رمضان الماضي ولم يدركوه هذا العام.
3- وبالتوبة الصادقة من المعاصي كلها .
4- وبالتفقه في أحكام الصيام .
5- وبحفظ الأدعية والأذكار المأثورة .
6- وبشراء مستلزمات رمضان والعيد مبكراً حتى يتيسر اغتنام رمضان في العبادة .
وقريبا إن شاء الله سيشرّفنا الضيف بقدومه
" من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه.
ينبغي اغتنام أوقات رمضان المباركة فإنها لفرصة غالية و أجر العمل الصالح فيها مضاعف ( يراجع لطائف المعارف/ 284-286 ) ، ومما يساعد على ذلك :
- الاشتغال بين صلاة الفجر وطلوع الشمس بالذكر : " من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كتب له حجة وعمرة تامة " صحيح الترغيب ( 464 ) .
" من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها " صحيح الجامع ( 6469 ).
- المحافظة على السنن : " ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة " (صحيح مسلم 2/162 ) .
- احتساب الأجر في إعداد طعام الإفطار : " من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء "
صحيح الترغيب (1072).
- مراعاة آداب الإفطار والسحور : " كان صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : ذهب الظمأ وابتلّت العروق وثبت الأجر إن شاء الله " رواه أبو داود (2357) والدارقطني 2/185 وقال إسناده حسن .
- "تسحروا فإن في السحور بركة " متفق عليه .
- " ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه ، بحسْب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه " صحيح الجامع (5674)
- " لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر " ( أي إذا تحقق الغروب : فتح الباري 4/234 ) .
- ولا تنسوا العشر الأواخر من الشهر فقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره " صحيح مسلم (1174) .
وقال صلى الله عليه وسلم :" تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان " وقال :" ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " أخرجهما البخاري ومسلم .
ومما يخالف إكرام الضيف!!
أن يصوم الإنسان عن الأكل والشرب وغيرهما من المفطرات ثم لا يمتنع عن المحرمات من الأقوال أو الأفعال كالغيبة والنميمة والإيذاء والنظر المحرم فهذا يخالف التقوى التي هي حكمة تشريع الصيام : قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } .
وقال صلى الله عليه وسلم :" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه " رواه البخاري وليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه و إنما معناه التحذير من المعاصي والحرص على سلامة الصائم منها ( يراجع فتح الباري 4/140) .
وقال صلى الله عليه وسلم :" رُبّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر " صحيح الترغيب (1076) .
فعلى الصائم أن يحتسب الأجر عند الله ويجتنب اللغو والرفث وكذلك على القائم أن يخلص نيته وأن يتدبر القرآن ويؤدي الصلاة بآدابها .
ومما يلاحظ أن النظر الى المصحف حال قراءة الإمام يضيع بعض السنن كقبض اليدين ووضعهما والنظر الى محل السجود بالإضافة الى كثرة الحركة وما يخشى من مخالفة تعظيم المصحف عند وضعه فينبغي الاكتفاء بالاستماع لقراءة الإمام والإنصات من دون متابعة لقراءته من المصحف .
كما ينبه إلى أن من كان معذورا في ترك الصيام فإنه ينبغي له أن لا يغفل عن عمارة وقته بالذكر والدعاء وعمل الخير ، وحضور المرأة إلى المسجد يراعى فيه الحجاب الكامل وأن لا تكون متعطرة .
ولا تنسوا أداء الحقوق إلى أهلها: " فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقاً وإن لزَوْرك - يعني الضيف - عليك حقا ، وإن لولدك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه " ( فتح الباري 4/247-257 ).
وسيرحل الضيف سريعا
بعد أن يتحفنا الضيف الجليل بزيارته المباركة لا بد من الفراق ، ويأتي اليوم الذي نودع فيه رمضان بأيامه الجميلة العطرة ، ولكن وداع رمضان لا يعني وداع الأعمال الصالحة فإن رب الشهور واحد ، ولئن انتهى صيام رمضان فهناك صيام النوافل كالست من شوال وغيرها ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مستحب كل ليلة ، ولئن كان رمضان شهر الجود فالصدقة مستحبة دائماً .
ولنعلم أن العيد شكر لله على توفيقه إيانا للصيام والقيام فلا يصلح أن نجعله للانطلاق في ما يضيع ما جمعناه من الأجر في رمضان .