من مسائل التوحيد
الغلو في قبور الصالحين يجعلها أوثاناً تُعبد مع الله تعالى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: مضى الكلام في المقال السابق في أن الغلو مجاوزة الحد مدحاً أو قدحاً وبيّنا نهي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه وما آل إليه أمر الغلو في الأمم السابقة وكيف أن الله تعالى حذرنا من إتباع طريقتهم وسنتهم التي كانت سبباً في هلاكهم.
وسنبين إليك أخي القارئ الكريم أن الغلو في قبور الصالحين وتخصيصها بالزيارة وشد الرحال إليها بالسفر يجعلها تعبد مع الله كما قال تعالى (أفرأيتم اللات والعزى)، قال ابن عباس رضي الله عنه عنهما «كان اللات رجلا يلتُّ سويق الحاج فلا يشرب منه أحد إلا سمن فعبدوه» [رواه ابن أبي حاتم وأصله في البخاري]، أي مع الله تعالى وذلك لصلاحه فإنه كان يطعم الحجاج هذا الطعام فغلوا في تعظيمه حتى طال عليهم الأمد فعبدوه ظناً منهم أن ذلك يقرب إلى الله تعالى.
وفي صحيح البخاري رحمه الله عن ابن عباس في قوله تعالى (وقالوا لا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عُبدت.
قال القرطبي رحمه الله تعالى وإنما صور أوائلهم الصور ليستأنسوا بهم ويتذكروا أفعالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم فوسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها. أ هـ
قال صلى الله عليه وسلم في حالهم «أولئك إذا مات فيه الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله» [رواه البخاري ومسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذ القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» [رواه مسلم] واتخاذها مساجد على صورتين، الأولى: أن يبنى عليها مسجد، والثانية: أن يصلي عندها ويسجد لله فإنه منهي عن كلتا الصورتين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أما بناء المساجد على القبور فقد صرح عامة الطوائف بالنهي عنه للأحاديث في ذلك، إلى أن قال: وهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم تتعين إزالتها بهدم أو غيره هذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين. أ هـ
وقال ابن القيم رحمه الله: يجب هدم هذه القباب التي بُنيت على القبور لأنها أُسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أفتى جماعة من الشافعية بهدم ما في القرافة من الأبنية منهم ابن الجميزي والظهير الترميني وغيرهما. أهـ.
وقال صلى الله عليه وسلم «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» [رواه مالك في الموطأ].
وعن علي بن الحسن أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وقال ألا أحدثكم حديثا سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا عليّ فإن تسليمكم يبلغني» ثم قال ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء. [رواه صاحب المختارة].
وهذه الآثار تدل دلالة واضحة على أن تعظيم قبور الصالحين والتردد عليها وشد الرحل لها منهي عنه أشد النهي وهو سبب هلاك الأمم السابقة ولعن الله على لسان رسوله الأمين صلوات الله وسلامه عليه كما رواه البخاري «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قال الطبري في كتابه القًرى لقاصد أم القُرى (629) وكره مالك أن يقال زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأحسن ما عُلل به وجه الكراهة ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» فكره إضافة هذا اللفظ إلى القبر لئلا يقع التشبه بفعل أولئك سدا للذريعة وحسما للباب. أ هـ
قال ابن القيم رحمه الله تعالى وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه وفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مقاصده جزم جزما لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة واللعن والنهي بصيغته لا تفعلوا وإني أنهاكم، ليس لأجل النجاسة بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة من عصاه وارتكب ما عنه نهاء واتبع هواه ولم يخش ربه ولا مولاه وقل نصيبه أو عدم من تحقيق لا إله إلا الله.. وغرهم الشيطان بأن هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين وكلما كنتم أشد لها تعظيما وأشد فيهم غلوا كنتم بقربهم أسعد ومن أعدائهم أبعد ولعمرو الله من هذا الباب بعينه دخل الشيطان على عباد يغوث ويعوق ونسرا ودخل على عباد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة. أ هـ
اسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يسلك بنا أسباب مرضاته وأن يجنبنا الشرك وذرائعه والحمد لله رب العالمين.
فرج المرجي
تاريخ النشر: الاثنين 30/4/2007
المصدر جريدة الوطن الكويتية